منتديات تلعرن و تلحاصل الثقافية.....احدى أعضاء شبكة كونديما الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات تلعرن و تلحاصل الثقافية.....احدى أعضاء شبكة كونديما الثقافية

منتدى ثقافي ,علمي ,, اجتماعي و منوع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
Change Language
مكتبة الصور
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
عداد الزوار
myspace hit counter
counter
زوار المنتدى

صور تلحاصل

صور تلعرن

فواتير

ماء  كهرباء  هاتف

رسائل مجانية

الطقس في حلب

مركز التحميل   هام

 

دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» وفاة: محمد محمود عزو
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 02 أبريل 2011, 00:43 من طرف المغتربة

» مصطلحات سورية
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالثلاثاء 15 مارس 2011, 08:04 من طرف المغتربة

» حزورة التفاحة
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأحد 13 مارس 2011, 20:14 من طرف ميرزو

» نكت حلوة ههههه
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأحد 13 مارس 2011, 05:30 من طرف المغتربة

» واحد نذل و نجس
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 05 فبراير 2011, 23:10 من طرف ميرزو

» نكت حلوة كتييييير
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 05 فبراير 2011, 23:08 من طرف ميرزو

» نصائح ام لبنتها المسافرة
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 05 فبراير 2011, 23:06 من طرف ميرزو

» مخاطر لعق الأصبع اثناء قلب الصفحات
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 05 فبراير 2011, 22:45 من طرف ميرزو

» الواجهة العربية لفيفا 2010 حصريا من المنتدى
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 16 ديسمبر 2010, 10:35 من طرف aymen.ss

» some logo for gondima
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالجمعة 10 سبتمبر 2010, 05:50 من طرف dr.itac

» قالوا عن المرأة
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالسبت 17 يوليو 2010, 01:47 من طرف Ahmad

» wc 2010
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأحد 27 يونيو 2010, 15:53 من طرف dr.itac

» حمل صور لتلعرن من جهازك
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالثلاثاء 13 أبريل 2010, 01:40 من طرف ويسو

» حمل صور لتلحاصل من جهازك
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 01 أبريل 2010, 22:07 من طرف dr.itac

» وفاة :عبود ويسو
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 01 أبريل 2010, 21:33 من طرف dr.itac

» فلسطين.ليبيا.سودان.تونس.لبنان.بحرين .امارات .موريتانيا.جيبوتي بالصيغة العربية
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالثلاثاء 23 مارس 2010, 01:44 من طرف محمد 123

» Arab gulf cup with 8 teams
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالإثنين 15 مارس 2010, 17:35 من طرف onics27

» Syrian and Iraqi team patch cmp
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالإثنين 15 مارس 2010, 17:14 من طرف onics27

» اعجاز كتابة القرءان الكريم
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالإثنين 15 مارس 2010, 05:39 من طرف محمد شملول

» 22 national temsمنتخبات عالمية
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالأحد 14 مارس 2010, 04:35 من طرف Felipe Vidal

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأكثر نشاطاً
الواجهة العربية لفيفا 2010 حصريا من المنتدى
التوقف عند بعض الأيات(عبد الكريم بكار)
22 national temsمنتخبات عالمية
اقوال وحكم افضل العلماء والفلاسفةوالمفكرين
Arab gulf cup with 8 teams
هام بشأن المفاضلة
الكمبيوتر (صيانة ) من الألف إلى الياء...!
نتائج شهادة التعليم الأساسي (تاسع) ..ثا/تلعرن للبنات
كلنا سنساهم في الأجر والثواب
موضوع غرييييب
المواضيع الأكثر شعبية
أبحب أحبابي أُلام !!!!!!!
الواجهة العربية لفيفا 2010 حصريا من المنتدى
مبيدات: فطرية
مبيدات : حشرية
بذور الكوسا (هجين)
22 national temsمنتخبات عالمية
برنامج يمكنك من رؤية أي موقع على كوكب الأرض بدقة عالية
النيمبز بأخر إصدار من هنا
هام بشأن المفاضلة
Arab gulf cup with 8 teams
أفضل 10 فاتحي مواضيع
حسان كالو
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
dr.itac
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
Ahmad
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
nasser.tawel
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
ابراهيم ابراهيم
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
zezoreal
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
dr,itac
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
حسين طويل
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
د. محمد كالو
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
أسعد قاسم
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
حسان كالو - 898
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
dr.itac - 531
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
Ahmad - 269
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
nasser.tawel - 163
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
ابراهيم ابراهيم - 81
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
dr,itac - 55
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
حسين طويل - 55
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
zezoreal - 44
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
احمد حمندو - 28
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 
د. محمد كالو - 27
من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_rcapمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_voting_barمن أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_vote_lcap 

 

 من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 19:38

من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم




السرّ الأول :

ظاهرة النسبية في القرآن الكريم

ما أردنا قوله: (عند نظرنا في القرآن الكريم.. لماذا نحتكم للمعاني الاصطلاحية الشائعة، ولا نحتكم إلى جملة المعاني اللغوية للفظ؟!.. إن أخذ جملة المعاني اللغوية للفظ بالحسبان (وهي متعددة) يفتح آفاقا جديدة للانفتاح على النص الكريم)



بين يدي الظـاهرة

مع ازدياد تعقيدات الحياة وتشعباتها تزداد حاجتنا لفهم أنفسنا، ولفهم الواقع من حولنا، وهي المهمة التي يمكن أن نوكلها لأنفسنا بجدارة إن نحن أحسنا التعامل مع كتاب الله تعالى، لكن ذلك التعامل يحتاج منا إمعان نظر ، بحيث لا تبقى معارفنا الدينية مجرد تكرار لمعارف آبائنا وأجدادنا.

ولدى تمعننا في آيات الله فقد جذب انتباهنا جانب اعتبرناه في حينه جديرا بالدراسة، بل اعتقدنا بأنه يخفي خلفه ظاهرة أصيلة من الظواهر التي يوحي بها النص القرآني الكريم، وتلك الظاهرة هي "ظاهرة النسبية في القرآن الكريم"، لكن وقبل أن نخوض في أمر تلك الظاهرة ؛ فلابد من بعض التقديم بين يديها..



القرآن: كلامُ الله

يُعرّف القرآن الكريم بأنه كلامُ الله العربيّ المثبت في اللوح المحفوظ للإنزال، ثم المنزّل بواسطة جبريل الأمين على سيدنا محمدe للهداية والإعجاز، وهو المنقولُ إلينا بالتواتر؛ والمكتوب في المصاحف.

وفي تعريف مبسط له يمكن القول بأنه: كلام الله المنزّل على محمدٍ e؛ المتعبد بتلاوته.

والقرآنُ لغةً: مشتقٌ من مادة الفعل "قرأ"(1) والذي يأتي بمعنى: الجمع والضمّ. والقراءةُ هي: ضمُّ الحروفِ والكلماتِ إلى بعضها. والقرآن في الأصل كالقراءة، مصدر: قرأ؛ قراءة؛ وقرآناً. قال تعالى: {إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}(القيامة:17-18) أي قراءته. وهو مصدرٌ على وزن "فُعلان" ،بالضم، كالغُفران، والشُكران. تقول: قرأته قرءاً وقُرآناً، بمعنى واحد.

ويُطلقُ "القرآن" بالاشتراك اللفظي على مجموع القرآن، وكذلك على كلّ آيةٍ من آياته، فإذا سمعتَ من يتلو آيةً من القرآن الكريم صحّ أن تقول: إنه يقرأُ القرآن، مثال ذلك قوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(الأعراف:204).

وقد ذُكر كذلك بأن تسميته "قرآناً" إنما جاءت لجمعِهِ ثمرةَ كتبِ الله كلِها، ولجمعِهِ ثمرةَ جميعِ العلوم، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء}(النحل:89).. وقد سُمي القرآنُ "قرآناً" كونه متلواً بالألسنة، كما روعي في تسميته "كتاباً" كونه مدوناً بالأقلام.

وللعلماء في تعريفِ "القرآن" قولاً يميزه عن غيره من الكتب المنزّلة، فهو (كلامُ الله المنزّل على محمدe، المتعبد بتلاوته).



إعجازُ القرآن الكريم وسحرُ بيانه

وللقرآن الكريم وجوه من الإعجاز التي لا تعد ولا تحصى بحيث تعجز الكلمات عن الإحاطة بكل تلك الوجوه، لكنّ بعضاً من الكلمات التي أوجزت في وصفه تناولت "الغاية الموضوعية" التي جاء القرآن الكريم لأجل تحقيقها، فهو ،من هذا المتناوَل، حجةُ الله على العالمين، والمستندُ الأكبرُ لشريعة الإسلام، وبثبوت حجة الله على البشر ثبتت الحجةُ بضرورة العمل..

وقد ثبتت حجةُ الله على البشر بثبوتِ إعجاز القرآن الكريم لكل من تحداهم الله من العقلاء، وهذه الحجة لا تقتصر على من نزل القرآن الكريم فيهم في العصر الأول للنبوة، بل ثبتت كذلك في حق من نُقل إليهم فيما بعد ،بالتواتر، وإلى يومنا هذا. وقد ثبتت حجة الله عزّ وجلّ على البشر بثبوت عجزهم أمامه وحيرتهم في مواجهته.

و"العجز" حسبما هو مُتعارفٌ عليه: اسمٌ للقصور وعدم الاستطاعة عن فعل الشيء. وهو ضد "القدرة"، وإذا ثبت الإعجاز ظهرت قدرة المُعجِز، ويكون الهدف من الإعجاز: إظهارُ صدق النبيّ e في دعوى الرسالة بإظهار عجز العرب عن معارضته في معجزته الخالدة؛ وهي القرآن الكريم، وعجز الأجيال المتتابعة من بعدهم، فالقرآن الكريم ،من هذه الناحية، جاء بالتحدي الدائم والمستمر إلى يوم القيامة؛ في مواجهة الجنِّ والإنس؛ وذلك عندما تحداهم أن يأتوا بمثله: {وإن كنتم في ريبٍ مما نزَّلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين}(البقرة:23).. كذلك فقد تحدّاهم أن يأتوا ببعضٍ من مثله: {قل فأتوا بعشر سورٍ مثله مفتريات}(هود:13)..

وعندما ثبتَ عجزُهم أمام هذا التحدي؛ كان القول الفصل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثلِ هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضُهم لبعضٍ ظهيراً}(الإسراء:88)

وأمام هذا الإعجاز؛ وذلك التحدّي.. تعددت الآراء حول إعجاز القرآن الكريم؛ والقدرِ المعجز منه، فقد ذهب المعتزلةُ إلى أن الإعجاز يتعلق بجميع القرآن الكريم لا ببعضه أو بكل سورة برأسها. لكنّ آخرين ذهبوا إلى أن القليل والكثير منه مُعجِز؛ دون تقييد بسورة معينة، لقوله تعالى: {فليأتوا بحديثٍ مثله}(الطور:34).

وذهبت فئةٌ ثالثةٌ إلى أن الإعجازَ يتعلقُ بسورةٍ تامةٍ ولو كانت قصيرة، أو قدْرِها من الكلام؛ كآيةٍ واحدةٍ أو آيات.

كذلك وجدنا من ذهب إلى أن إعجاز القرآن الكريم لا يقعُ في قدرٍ معينٍ منه فحسب؛ بل نجد ذلك الإعجاز كذلك في (أصواتِ حروفِه، ووقعِ كلماتِه، كما نجده في الآية والسورة، فالقرآن كلام الله وكفى)(2).. وهي حجةٌ ،ولا شكّ قوية تسترعي الانتباه إلى حقيقةٍ في غاية الأهمية؛ وهي أن إعجاز القرآن الكريم لم يقتصر ، فقط، على الحقائق الموضوعية التي يطرحها، ولا في قدراته البلاغية وحسب، بل في تمتعه كذلك بإعجازٍ غيرِ عاديّ حتى على مستوى تناسقِ حروفِ الكلمة الواحدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 19:42

سحرٌ يأخذ بالقلوب والألباب

لقد كان تأثيرُ القرآن الكريم على كلّ من سمعه تأثيراً عجيباً؛ إذ سحرت(3) كلماتُه قلوبَهم؛ وسلبتهم عقولهم وألبابهم، وكان أعجب ما فيه أن خاصيته تلك كانت بالنسبة لهم أمراً غامضاً غيَر معتاد، ووجدوا فيه ظاهرةً تكاد تكون ،بالنسبة لهم، غيرَ مفهومةِ الأسباب!!.. (ونزل القرآن فظنّه العربُ أولّ وهلةٍ من كلام النبيّ e، وروحوا عن أنفسهم بانتظار ما أَمِلوا أن يطلعوا عليه في آياته البيّنات..)(4) ولم يكن عجيباً حينها أن تتباينَ ردودُ أفعالهِم تجاهه، فمنهم من اطمأن إليه فآمن به، ومنهم من جحد فكفر، ومنهم من لم يحسم الأمر فآثر الانتظار لعل الأيام تأتي بالخَبَرْ!.

ولقد أثار القرآن الكريم ،ومنذ بداياته الأولى، ردودَ فعلٍ تميزت بالحيرة، فلم يكن من السهل ،بدايةً، استيعابُ حقيقة إرسال نبيّ افترضوا وجوب أن يكون واحداً من أرفعِهم مكانةً، أو أكثرِهم مالاً وولداً!!.. أما محمد e وما تميز به من مكانةٍ رفيعةٍ ،سواءً من حيث نَسَبِه أو أخلاقه ،والتي لم يعرفوا لها مثيلاً، فقد كان بالنسبة لهم آخر من يصلح لتلك المهمة! {وقالوا لولا نُزّل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم}(الزخرف:31)...

ولم يكن مهماً ،بالنسبة لبعضهم، ما كان يتمتعُ به محمدٌ e من رفيعِ خصالٍ وصِدْقِ حديث، إذ أضمروا له التكذيب حتى وإن كان صادقاً! (ومرّوا ينتظرون وهم مُعِدّون له التكذيب، مُتربصون به حالةً من تلك الأحوال؛ فإذا هو قَبِيلٌ(5) غيرِ قبيلِ الكلام، وطبعٌ غيرِ طبعِ الأجسام، وديباجةٌ كالسماء في استوائها لا وهيٌ ولا صدعٌ، وإذا عصمةٌ قويةٌ، وجمرةٌ متوقدةٌ، وأمرٌ فوق الأمر، وكلامٌ يحارون فيه بدءاً وعاقبة)(6).

وباختصار؛ فإن الشكّ في تلك اللحظات كان شريعةَ الجميع ،إلا من رحم ربُك، والشكُ ،في حدّ ذاته، حقٌ مشروعٌ يمكن من خلاله التمييز بين الأصيل وبين ما كان ادعاءً، لذا؛ فلم يكن مستغرباً أن يجمعَ الشكُ تجاه محمدe ودعوته بين عمر بن الخطاب والوليد بن المغيرة، إضافة إلى ما أصابهما من صدعٍ وذهول بالتأثير المحكم لآيات القرآن الكريم!.

وتنقلُ لنا كتبُ التاريخ روايتين متشابهتين تؤرخان لإسلام عمر بن الخطاب ،رضي الله عنه وأرضاه، الأولى منهما لعطاء ومجاهد، نقلها ابن إسحق وقد جاء فيها على لسانه: (كنتُ للإسلام مُباعداً، وكنتُ صاحبَ خمرٍ في الجاهلية أحبها وأشربها، وكان لنا مجلسٌ يجتمعُ فيه رجال قريش... فخرجتُ أريدُ جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحداً. فقلت: لو أنني جئت فلاناً الخمّار. فخرجتُ فجئته، فلم أجِدْه. قلت: لو أنني جئتُ الكعبةَ فطفتُ بها سبعاً أو سبعين، فجئتُ المسجدَ أريدُ أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول اللهe قائمٌ يصلي، وكان إذا صلّى استقبلَ الشام، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، واتخذ مكانه بين الركنين: الركن الأسود والركن اليماني. فقلت حين رأيته: والله لو أني استمعتُ لمحمدٍ الليلةَ حتى أسمعَ ما يقول. وقام بنفسي أنني لو دنوتُ منه أسمع؛ لأروّعنه، فجئتُ من قِبَل الحِجْر؛ فدخلتُ تحت ثيابِها، وما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة، فلما سمعتُ القرآنَ رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام!.

والرواية الأخرى تشير إلى أن عمر ،رضي الله عنه، خرجَ مُتوشحاً سيفه؛ يريدُ رسولَ اللهe ورهطاً من أصحابه قد اجتمعوا في بيتٍ عند الصفا، وهم قريبٌ من أربعين بين رجالٍ ونساء، وفي الطريق لقيه نعيم بن عبد الله فسأله عن وجهته؛ فأخبره بغرضه، فحذّره (أي نعيم) بني عبد مناف، ودعاه أن يرجع إلى بعض أهله؛ خِتنه(7) سعيد بن زيد بن عمرو، وأخته فاطمة بنت الخطاب زوج سعيد، فقد صبئا عن دينهما. فذهب إليهما عمر، وهناك سمع "خَبّاباً" يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب، وبطشَ بِخِتْنِهِ سعيد، وشجّ أخته فاطمة... ثم أخذ الصحيفة ،بعد حوار، وفيها سورة "طه"، فلما قرأ صدراً منها قال: (ما أحسن هذا الكلام وأكرمه) ثم ذهب إلى النبيّ e فأعلن إسلامه، فكبّر النبيّ e تكبيرةً عرف أهلُ البيتِ من أصحابِه أن عمر قد أسلم(Cool.

كذلك فقد واجهت المعاندين والمستكبرين من قريش مواقفُ مشابهة، وذلك من خلال ما أحدثه القرآنُ الكريمُ من تأثيرٍ مزلزلٍ في نفوسهم، فقد حدثَ مثلُ ذلك مع الوليد بن المغيرة؛ والذي أذهلته الآياتُ بِسِحْرِها وأَلَقِها، فتصرفَ مقهوراً مُنساقاً تحت وطأة تأثيرها، حتى وجدناه لا يقوى على إنكار ما أصابه!، ووجدناه يصفُ القرآنَ الكريمَ والحيرةُ تأخذُ بلبّه وجنانه، فأصبح لا يمتلك لنفسه حولاً ولا قوة، وسمعناه يُقرُ مُعترفاً: (فوا لله ما منكم رجلٍ أعلمَ مني بالشعر ولا بِرَجَزِهِ ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبهُ الذي يقولُه شيئاً من هذا، والله إنّ لقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يُعلى عليه)!!.

لكنّ اعترافه هذا لم يكن ليقنعَ قريشاً، فهو ،أي الوليد، لم يذمّ القرآن، بل امتدحه!!.. فلما زادوا عليه من ضغوطهم؛ لم يجدْ مخرجاً إلا أن يلويَ أعناقَ الألفاظ، وأن يتلاعب بالكلمات، فبدلاً من أن يعترف بأن هذا السحر إنما يدل ،بالضرورة، على عدم بشرية مصدره، وجدناه يتجاوب مع دعوة أبي جهلٍ له؛ والتي قال له فيها: (والله لا يرضى قومُك حتى تقول فيه(9))...

وهنا تتجلّى قدرةُ بعض البشر على التحايل!، واتباع الأساليبِ الملتويةِ لوصفِ حقيقةٍ ما بغيرِ ما يجبُ أن توصفَ به!.. فجاءَ ردّ الوليد هذه المرة: (دعني أفكر فيه). فلما أنْ فكّر قال: (إنْ هذا إلا سحرٌ يؤثر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله ومواليه)؟!.

وبهذا الرد يكون الوليد قد أفشى لنا ،عن غير قصدٍ بالطبع، سراً من الأسرار التي استأثر بها القرآنُ الكريم دون غيره من كلام العرب، ذلك هو الاستحواذُ الغريب؛ والسطوةُ التي لا تردّ؛ لكلمات الله على كلّ من سمعها، بل لعل الوليد في استخدامه لتلك الألفاظ قد أسدى لنا خدمةً أخرى كبيرة، فهو باستخدامه لألفاظٍ من قبيل "سِحْرْ" قد أشار إلى ذلك المصدر الغامض؛ والمجهول لسحر القرآن الكريم، والذي لا يمكن إلا أن يكون وجهاً من الوجوه التي استأثر بها القرآن الكريم؛ فتميزت به لغته عن لغة البشر!.

وفي قولٍ ،يمكنُ تعميمه، فإن ذلك التأثير الاستحواذي للقرآن الكريم لم يكن أمراً مقصوراً على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو الوليد بن المغيرة، فلطالما ارتبط ذلك الانفعال تجاه القرآن الكريم بعلاقةٍ جدليةٍ مع عامل آخر كان له أبلغ الأثر في تجلية تلك الميزة وذلك السحر، ولم يكن ذلك العامل إلا تلك المقدرةِ اللغويةِ العالية التي طالما تميزّ بها العرب في ذلك الوقت، والتي مكّنت لهم سُبُلَ التفريق بين الأصيل وما هو غير ذلك، تلك المقدرة التي لو لم تُوجد ،في حينه، لما أمكن لنا ،أبداً، أن نشعر بإعجاز القرآن الكريم، ولاستوى لدينا حينها الغث والسمين!..

وأمام تلك السطوة المثيرة للانفعال؛ فلم يكن أمام بعض المستكبرين إلا اختراع الحجج؛ الواحدة تلو الأخرى، وشقّ سُبُلِ الإنكار، سبيلاً في إثر آخر؛ فاتجه البعضُ لوصف القرآن الكريم بأنه: {أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً وأصيلا}(الفرقان:5)..

لكنهم ،هنا أيضاً، لم يفلحوا في إخفاء الأثر العميق الذي أحدثه القرآن الكريم في نفوسهم.. فبوصفهم للقرآن الكريم بـ "الأساطير" ،بعد أن أطلقوا عليه صفة "السحر"، وجدناهم قد أثبتوا عجزَهُم عن ردّه إلى أصلٍ بيّنٍ واضح، فهو بالنسبة لهم سحرٌ غير معلوم المصدر!، أو أسطورةٌ تأتيهم من أعماق التاريخ المجهول، فهم لا يملكون لها ردّا، ولا يعرفون لها تفسيراً!.



بيانٌ يورثُ الحيرة

من هنا؛ فقد تدرجت بهم الحيلةُ لابتداعِ الطرقِ الكفيلةِ بالتغلب على هذا السحر ومواجهة سطوته، وعلى تلك الأساطير ،بزعمهم، والتغلب عليها، وقادهم ذلك إلى تفكيرٍ جديد: فما دام تأثيرهُ غامضاً لا يجدي معه التعامل العقلي البحت؛ فليكن السبيل لمواجهته عدمُ الاستماعِ إليه أصلاً!!: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن، والغَوْا فيه لعلكم تغلبون}(فصلت:26) فغايةُ غَلَبِهِمْ هنا أن يجعلوا أصابعهم في آذانهم فِراراً منه.. وإنه لغلبٌ؛ وأي غلب؟!.

باختصار؛ فقد تجلت الحيرةُ في كلّ ردود الأفعال التي فوجئت بِنَظْمِهِ البديع، فمن آمن كان في حيرةٍ من أمره؛ قبل أن يشرح الله صدره للإيمان، ولعل من آمن ،فيما بعد، كان دائم التساؤل مُتعجباً: ما الذي فعله القرآن بي؟!... ومن كذب على نفسه وخدعها بوصفه للقرآن بالسحر ،ليخلُص إلى نتيجة مفادها أن محمداً ليس أكثر من ساحر، كان في حيرةٍ من أمرهِ كذلك، ولعله قضى لياليه مُسَهَدّا(10) متعجباً يسائل نفسه: أيةُ قوةٍ تلك التي سيطرت عليّ فجعلتني أذهب إلى ما ذهبت إليه؟!...

وقد بيّن القرآنُ الكريم ،في لقطاتٍ نادرةٍ، ردودَ أفعال الفئة الأخيرة، فَصَوّرَها في حيرتها لا تكاد تثبت على حال، فهي متقلبةُ الفكر، مبلبلةُ الخاطر والوجدان، تتناوشها الوساوسُ؛ وتختلطُ عليها الأفكارُ بغير ما انضباط!، ولننظر إلى اللقطات النفسية العجيبة، والتي تجلت في حججهم المبتورة: {قد سمعنا...} ... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...} {إن هذا إلا أساطير الأولين...}(الأنفال:31) {أضغاث أحلام...} {بل افتراه...} {بل هو شاعر}(الأنبياء:5)..

ولنتأمل الجُمَلِ القصيرةِ؛ والعباراتِ القلقةِ التي صوّرت حالهم، فهي لا تكاد تقذفها الألسِنةُ حتى تنقطع!!... وكأن القرآن الكريم ،وهو يرسم لنا ردود أفعالهم تلك؛ إنما يصوّر لنا حالةً تنطبقُ على البشرِ جميعاً عندما يتنكرون لما هو واضحٌ جليّ، تلك الحالة التي إذا ما تلبست قوماً حوّلتهم إلى حالةٍ من القلق تُفقدهم توازنهم، فنراهم يتلجلجون في الوصف على غيرِ هدىً: {قد سمعنا...}... {لو نشاء لقلنا مثل هذا...}... الخ.. لكنهم ما إن يبدأوا باستعادة توازنهم، والسيطرة على انفعالاتهم؛ حتى نجدَهم يبدأون مرحلةً جديدةً من مراحل الكَذِبِ؛ لكنه كذب صُراح هذه المرة؛ كذبٌ مع سبق الإصرار؛ وبغيرما خجلٍ أو حياء!... وهي المرحلة التي انتهى إليها بعض من تنكر للرسالة المحمدية في مراحلها الأولى؛ حيث لجأوا إلى الادعاء ببشرية المصدر الذي أُخذ عنه القرآن الكريم، والادعاء بعدم اختلافه عن أقوال البشر في شيء؟!: {فقال إن هذا إلا سحرٌ يؤثر، إن هذا إلا قول البشر}(المدثر:24-25)..

من هنا أمكننا أن ندرك عُمق ما أحدثه القرآن الكريم من تأثيٍر غير مسبوق في النفس المتلقية لآياته، تلك التي آمنت، أو هاتيك التي كَفَرَتْ به على حدٍ سواء، لكن تظلُ أشدّ صورِ ذلك التأثير وضوحاً تلك الحيرة الكاملة؛ وذلك الجهل المطبق بماهية السرّ الذي مكّنّ للقرآن أن يُحدث كلّ ذلك الأثر، ولعل ذلك السرّ هو ما ترك الجميع يتساءلون وهم حائرون: أين يكمن السر؟!..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 19:46

أين يكمن السر؟!

فأين يكمنُ سرّ تلك الزلزلة التي أحدثها القرآن الكريم في كياناتٍ لغويةٍ رفيعة؛ ذاتِ حسٍّ جماليٍّ مُرهف؟!..

... فهل كان السرّ كامناً في الموضوعات ذاتها؛ والتي تناولها القرآن الكريم في أول عهده؟!...

...أم كان السرّ في صُلب التشريعات التي أرساها؟...

... أو لعله كان موجوداً في تلك النبوءات المستقبلية التي تنبأ بها قبل حدوثها بسنوات؟!...

فإذا ما رحنا نستقرئُ الآياتِ الكريمةِ الأولى التي تنزّلت في مكة فلن نجد فيها هذا ولا ذاك، فهي لم تكن تحتوي تشريعاً مُحكماً، ولا علوماً كونيةً سابقة(11) ولن نجد فيها إخباراً بالغيب يقع بعد سنين، مثل ذلك الذي ورد في سورة "الروم"(12).

يجب إذنْ (أن نبحث عن "منبع السحر في القرآن" قبل التشريع المحكم، وقبل النبوءة الغيبية، وقبل العلوم الكونية، وقبل أن يصبح وحدةً مكتملةً تشمل هذا كله)(13)..

وهنا لابد لنا من إعادة السؤال كَرّةً أخرى: ما الذي احتواه القرآن الكريم من أسرار مكّنَتْ له كلّ ذلك التأثير الذي لا يردّ؛ وجعلت له تلك السطوة التي لا تقهر؟!..

لعل ما أحدث كلّ ذلك كان يتمثل في شحناتِ الانفعال التي دفعتها الآياتُ الكريمة في قلوب من استمع إليها، بغضّ النظر عن الموضوع المراد الإخبار عنه...

...ولعله كان متمثلاً في أسلوب الأداء القرآني غير المسبوق، فحيث كان القومُ في مكة أهلَ مُماراةٍ ولجُاجةٍ في القول عن فصاحةٍ وبيان، تجدُ في مكيّ القرآن الكريم ألفاظاً شديدةَ القرعِ على المسامع، تقذفُ حروفُها شَررَ الوعيدِ وألسِنةَ العذاب، وكلّ ذلك قد حدث بشكل استعصى على الفهم، فضلاً عن التحليل والتفسير: (وما درى عربيّ واحدٌ من أولئك: لِمَ جعلَ اللهُ في كتابه هذه المعاني المختلفة، وهذه الفنون المتعددة التي يُهيجُ بعضُها النظر، ويشحذُ بعضُها الفكر، ويمُكِنُّ بعضُها اليقين، ويبعثُ بعضُها على الاستقصاء)(14)... وكان هذا كلُه يقال، وذلك كلُه يقعُ و (القومَ في شغلٍ عن بيانِ هذه الصورة بما يتملونه منها في نفوسِهم، وما يحُسونه منها في شُعورِهم، وهم حَيارى مُضطربون، أو مُلبون مهطِعون)(15).

ولعل الصورةَ الآن قد بدأت بالاتضاح، فكلّ ذلك القدر من التأثير الذي أحدثه القرآن الكريم ،ومنذ اللحظة الأولى، لم يكن إلا استجابةً لذلك السمّو القرآني، والذي أمكن إدراكه؛ وتذوقه؛ والانفعال به.. بفضل ما كان للعرب ،في ذلك الوقت، من إتقانٍ لفنونِ القراءةِ والاستماع، مما مكن للنص القرآني أن يُظهرَ كلّ قُدُراتِه الكامنة، وتجلياتِه اللطيفة، وأحاسيسه الدافقة!.

واستمرت محاولات العلماء ،على مرّ العصور، للتعامل مع النص القرآني بحثاً عن الأسرار المخبوءة فيه، وذلك عبر محاولاتهم الإجابة على بعض التساؤلات المتعلقة بأسرار الإعجاز المبثوثة فيه، وفيما إذا كان ذلك الإعجاز كامناً في حروفه، أو في كلماته، أو هو في مجموع آياته؟!... ليستقر بهم المطاف ،أخيراً، إلى أن كلّ ما في القرآن عجيب، لكنهم استقروا على أن مناط التحدي والإعجاز في القرآن الكريم إنما هو في ناحيته البلاغية، وهي الناحية التي تحدّى القرآن الكريم بها العرب!...


بعضٌ من أشكال استعلاء القرآن

ولتجلية هذا الجانب العجيب من جوانب استعلاء القرآن الكريم على ما عداه من كلام البشر؛ وجدنا أبا بكرٍ الباقلاني يتناولُ النواحي البيانية فيه، مقارناً بين نَظْمِ القرآن الكريم ونَظْمِ ما عداه من الكلام قائلاً فيه: (والذي يشتملُ عليه بديعُ نظمه المتضمِنُ للإعجاز وجوهٌ: منها ما يرجع إلى الُجملة، وذلك أنّ نظمَ القرآن ،على تصرفِ وجوههِ؛ واختلافِ مذاهبهِ، خارجٌ عن المعهودِ من نظام جميع كلامهم، ومُباينٌ للمألوفِ من ترتيبِ خطابِهم، وله أسلوبٌ يختص به؛ ويتميزُ في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد، وذلك أن الطرق التي يتقيدُ بها الكلامُ البديعُ المنظومُ تنقسمُ إلى: أعاريض الشعر على اختلاف أنواعه، ثم إلى: أنواعِ الكلامِ الموزونِ غيرِ المُقفى، ثم إلى أصنافِ الكلامِ المعدّل المُسْجَع، ثم إلى معدلٍ موزونٍ غيرِ مُسجع، ثم إلى ما يُرسلُ إرسالاً، فتُطلبُ فيه الإصابةُ والإفادةُ وإفهامُ المعاني المعترِضة على وجهٍ بديعٍ؛ وترتيبٍ لطيفٍ، وإن لم يكن معتدلاً في وزنه، وذلك شبيهٌ بجملة الكلام الذي لا يُتَعَمّلُ يُتصنعُ له..) ليقرر ،الباقلاني، من ثمّ: (وقد علِمنا أن القرآنَ خارجٌ عن هذه الوجوه، ومُباينٌ لهذه الطرق، فليس من بابِ السجعِ، وليس من قبيلِ الشعرِ، وتبيّن ،بخروجهِ عن أصنافِ كلامهم وأساليبِ خطابهم، أنه خارجٌ عن العادة، وأنه معجزٌ، وهذه خصوصيةٌ ترجعُ إلى جملةِ القرآنِ وتميزٌ حاصِلٌ في جميعِه)(16).

وكان الإمام "عبد القادر الجرجاني" واحداً ممن تحدثوا عن إعجاز القرآن الكريم، وعن تعلّق ذلك الإعجاز بنظم القرآن ذاته؛ وذلك في كتابه "دلائل الإعجاز". ونظراً لجهود الإمام "الجرجاني" في استقراء الإعجاز القرآني؛ فقد اعتُبِر القرنُ الخامس عصراً ذهبياً للإعجاز، وقد كان الانتصار قَبْلَهُ لِلَفظِ على المعنى؛ وذلك في القضية الجدلية "اللفظ والمعنى" في أيهما تكون الفصاحة والبلاغة؟!.

ولـ "ابن عطية" مقولةٌ رائعةٌ حول إعجاز ألفاظ القرآن الكريم يقول فيها: (وكتاب الله لو نُزعت منه لفظةٌ، ثم أُديرَ لسانُ العربِ على لفظةٍ أحسنَ منها لم يوجدْ!، ونحن يتبينُ لنا البراعةُ في أكثره، ويخفى علينا وجهُها في مواضع، لقصورنا عن مرتبة العرب ،يومئذ، في سلامةِ الذوق وجودةِ القريحة)(17).

وكان "مصطفى صادق الرافعي" ،رحمه الله، معتقداً بأن مظاهر الإعجاز في نظم القرآن الكريم تتمثل في ثلاثةِ وجوه: الحروف وأصواتها، الكلمات وحروفها، والجُمَل وكلماتها(18).

أما الدكتور "محمد عبد الله دراز" فقد قسّم ألفاظَ القرآن الكريم إلى قسمين: الصّدف؛ وسماه "القشرة السطحية"، و اللؤلؤة؛ وسماها "لب البيان القرآني"، ولما تكلم عن "القشرة السطحية" لجمال اللفظ القرآني لاحظ أنها تتألف من عنصرين مؤثرين: الأول: الجمال التوقيعي: ويتمثلُ في توزيعِ حركاتِ ألفاظِ القرآن الكريم وسكناتِها، ومدّاتِها وغُنّاتِها. أما الثاني فالجمال التنسيقي: ويتمثل في رصف الحروف في الكلمات وتأليفها معاً(19).

وحول المعجزة البيانيّة في القرآن الكريم يقول الدكتور "عدنان زرزور": (إن الكلام والبيان هو ما امتاز به الإنسان.. فجاءت معجزةُ محمدe بيانية، للإشارة إلى أن هذه الرسالة هي رسالة الإنسان، حيث كان الإنسان، وفي أي زمانٍ وُجد... ولم يكن البيانُ وقفاً على لغةٍ من اللغات، أو أمةٍ من الأمم، لكنّ اختيارَ لغةِ العربِ لينزلَ بها القرآن؛ وليحملَ بها إلى العالَمِ رسالةَ الإنسان؛ يشيرُ إلى فضيلةٍ بيانيةٍ جامعةٍ؛ امتاز بها اللسانُ العربيّ على كلّ لسان)(20).

من هنا؛ فقد أجمع الدارسون لهذا الجانب من علومِ القرآن على رأيٍ لم يختلفوا حوله!؛ ألا وهو فضيلةُ اللغةِ التي تنزّل بها القرآن الكريم على ما عداها، وعلى تميّزِ القرآن الكريم وبلاغتهِ من هذه الناحية..

ويقودنا هذا الإجماع إلى البحث عن أسرار هذا البيان؛ وذلك عبر الغوص في أعماقِ الأسئلةِ الباحثةِ عن سرّ اللغة؛ التي شرّفها الله عزّ وجلّ بأن حمّلها كلماتِه إلى عباده!.

ولئن كان من المستحيل تناول وحصر كل أسرار السمو اللغوي الموجود في القرآن الكريم من خلال كتاب واحد؛ فإننا نخصص الصفحات التالية لتناول ظاهرة لغوية فريدة، يمكن تبيُنُها وتَتَبُعُها في ألفاظ القرآن الكريم؛ بحيث باتت ذات أثر كبير في تحديد معانيه.. وهذه هي ظاهرة النسبية في القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 19:52

ظاهرة النسبية في القرآن الكريم

إن من غرائبِ مفردات الكلام البشري؛ احتمال احتوائِها على وجوه متعددةٍ من المعاني، لذلك تصدقُ عليها مقولة أنها مبنيةٌ وفق قاعدة "المحتوى النسبي المتدرج للمعاني"... والتي يقصد بها إمكان احتواء اللفظ الواحد في اللغة على أكثر من معنىً واحد، يمكن أن يشير إلى معنىً واحد، ولربما احتوى اللفظُ الواحدُ على درجاتٍ متفاوتةٍ من المعاني، مما هو قريب فأبعد؛ فالأبعد؛ والتي يجمعُ بينها جامعٌ لغويٌ مشترك، كإطلاقنا لفظةَ "يد" للتعبير عن عددٍ كبيرٍ من المعاني، إذ يعبر هذا اللفظ تعبيراً صادقاً عن مسمياتٍ عديدةٍ ومعانٍ متفاوتة، كأن يصلح للتعبير عن "يد الإنسان"، ويصلح ،كذلك، للتعبير عن ناحية تشريحية بيولوجية لكثير من الكائنات الحية؛ مهما علت في رتبتها أو سَفُلَتْ، وهو صالحٌ كذلك للتعبير عن معاني مجردة مثل: "التفضل بالنعمة" و"القدرة على الفعل"...

و"ظاهرة النسبية في القرآن الكريم" ؛ نحسب(21) أنها تشكلُ قانوناً عاماً يحكمُ ألفاظ القرآن الكريم. فاللفظ ،بطبيعته، يمكنه أن يتدرج في قدرته على استيعاب المعاني، حيث يمكن للفظٍ ما أن يأخذ من المعاني (من الناحية النظرية على الأقل) القيم من صفر إلى ما لا نهاية!!..

فكلمة: يَدْ، أو رِجْلْ أو عَيْنْ... الخ هي من الألفاظ التي يمكن أن ننسبَها إلى أدني الكائنات الحية، فنقول: يد القرد، رِجْل النحلة، وعين الفراشة...الخ، لكن يمكن لها ،في الوقت ذاته، أن تأخذ قيماً مطلقةً، كقوله تعالى: {يدُ اللهِ فوقَ أيديهم}(الفتح:10) وكذلك قوله عز من قائل: {ولتصنع على عيني}(طه:39)... فاللفظ هنا واحد، لكنّ شتان بين دلالاته المختلفة!!. ولا تقتصر النسبية على المدلولات المادية، بل تتعداها للقيم المعنوية، مثل العدل، والرحمة، والقدرة.. فهي صفات يمكن أن يتمتع الإنسان بنصيبٍ وافرٍ منها، إلا أن قيمها المطلقة مقصورة على الله عز وجل!..

ولعل اللغة العربيّة هي واحدة من أشدّ اللغات قبولاً لصفة المرونة، حيث تعتبر مرونتها معياراً لخصوبة هذه اللغة وقدرتها على الاستيعاب. فاللفظُ الواحدُ في العربيّة يمكن أن تتنازعه عدةُ معانٍ، والتي منها ما هو قريبٌ مما تعارف عليه الناس في حياتهم العملية ونشاطاتهم اليومية، وأن يكون له في الوقت ذاته معنىً ،أو عدة معانٍ، أخرى مما هو مستترٌ خلف المعنى العُرفيّ الشائع. وتعتبر الاحتمالات النظرية لمعاني لفظٍ ما (والموجودة في معجمات اللغة) معاني محتملة له.

فلفظة "الشريعة" ،على سبيل المثال، هي في معناها الشائع الذي تعارف عليه الناس: ما شرعَ الله لعباده من أمرِ الدين(22). بينما تتقبل من المعاني اللغوية المحتملة معنى: الطريقة، أو المنهج.. وهي جمعُ شرائع؛ والتي تعني مورد الشاربة.

كذلك؛ فإنَّ "الفقه" يعني عُرفاً واصطلاحاً: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية) بينما له من وجوه المعاني اللغوية المحتملة معاني: العلم بالشيء؛ والفهم له، وكذلك: الحذق، والفطنة.. وشتان ما بين المعنى الاصطلاحي (الذي يشيعُ عادةً في زمانٍ ومكانٍ معينين) وبين المعاني اللغوية ذات الأبعاد: المتدرجة؛ والمتعددة؛ وحتى المطلقة في كثيرٍ من الأحيان!..

وتعتبر "ظاهرة النسبية" بشكل عام الوجه المقابل لمشكلةٍ كثيراً ما اعاقت قدرتنا على الفهم السليم لمراد الآخرين من كلامهم (وهي صحيحة بالنسبة لكتاب الله عز وجل بوجه خاص) إذ كثيراً ما أحدث الأخذُ بالمعاني القريبة ،للفظٍ ما، خللاً في الفهم لدى من يسمع، حيث يَقصدُ المتحدثُ معنىً بعيداً، ويفهمُ السامعُ المعنى القريب!...

ومن الأمور الجديرة بالاهتمام والملاحظة أنّ المعنى اللغوي المحدد والمقصود للفظ ما؛ كثيراً ما اسْتُمِدَّ نتيجةَ اقترانه بقرينةٍ تُعطي إيحاءاً ما حول المعنى المقصود من بين الاحتمالات الممكنة لذلك اللفظ..

لأجل ذلك، وبغرض فهم الأمور على حقيقتها؛ وعلى كلّ أوجهها المتاحة، كان لا بد لنا ،ونحن نتعامل مع المعاني القريبة للفظٍ ما؛ عدم تجاهل معانيه الأخرى الممكنة مما هو مستترٌ أو بعيد.

إنَ حاجَتَنا إلى تلك المرونة (وهي جوهر ظاهرة النسبية) لا تقتصر على الألفاظ المستخدمة في تعاملاتنا اليومية؛ ومطالعاتنا العلمية، بل تتجلى ،أشد ما تتجلى، لدى تعاملنا مع القرآن الكريم، حيث مرونةُ اللغةِ وقدرتُها اللانهائية على الاستيعاب تمثلُ واحدةً من أهم خصائص النص القرآني الكريم؛ ولعل بعض آيات(23) القرآن الكريم قد أشارت إلى تلك الخاصية. ومن الجدير ملاحظته أنه وبدون قدرة اللفظ القرآني على استيعاب المعاني؛ فإن النصّ القرآني يمكن أن يفقدَ ميْزَتَه الإلهية!؛ والمتمثلة في القدرة غير المحدودة على احتواء المضامين واستيعابها، وقدرتة تلك الألفاظ على اختراق حواجز الزمان والمكان، تلك الميزة التي يمكن أن تُقْتَل بين أيدي الناس إذا ما نحواْ إلى تحديد معاني ألفاظ القرآن الكريم؛ وقَصروها على وجوه محددة ومحدودة؛ هي بعضُ الوجوه التي يمكنُ للنصّ القرآني أن يحتملها!. وفي اعتقادنا فإن تلك "المرونة" أو "المقدرة على الاستيعاب" أو "ظاهرة النسبية" ،سمّها ما شئت؛ ليست أمراً عارضاً نجدُه في بعض المواضع في القرآن الكريم دون غيرها(24)، بل هي سُنَّة من سُننه الأصيلة التي لا تنفصل عنه، وصفةٌ ملتصقة به التصاق المفردات بمعانيها اللغوية المحتملة..

وسنحاولُ فيما يلي البرهنة على وجود ظاهرة "النسبية في القرآن الكريم"؛ (كظاهرة عامة لا تقتصر على ألفاظه فحسب) وذلك من خلال إيرادنا لمجموعةٍ من الأمثلة؛ والتي نعتقد بانطباق مفهوم "النسبية" عليها، وهي أمثلة معروضةٌ هنا على سبيل المثال لا الحصر:

يتعرضُ القرآنُ الكريم لمفهوم "السماء" في آياتٍ كثيرة، لكن المدقق فيها سيلاحظ أنها لا تشيرُ دائماً إلى نفس المعنى والمضمون، حيث تأخذ تلك اللفظة معاني متدرجة من الأدنى إلى الأعلى، ومما هو قريب إلى ما هو أبعد!.

فالسماء ،في واحدةٍ من حالاتها القريبةِ التي يطرحها القرآن الكريم، هي مكانُ نزول المطر: {وأنزل من السماء ماء}(البقرة:22)..

ثم تبدأ معانيها بالاتساعِ لتشيرَ إلى معنىً أرحب هو الغلافُ الجويِّ المحيط بالأرض: {ومن يُرد أن يضلَهُ يجعل صدره ضَيِّقاً حرجاً كأنما يَصَّعّدُ في السماء}(الأنعام:125)..

ثم يبدأ القرآن الكريم بإعطاء لفظة "السماء" معانٍ إضافية أبعد من كل ما ذكرناه، تكون فيه السماء ذات معنى شامل مُتسع، وذلك عندما يتحدثُ القرآنُ الكريم عن "سماءٍ" ترتبطُ بعلاقةٍ مكانية مع "النجم الثاقب"، وفي هذا يقول الله عز وجل: {والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق، النجم الثاقب}(الطارق:1-3) ولا يخفى أن العلاقة المكانية التي تربط بين "السماء" من جهة و"النجم الثاقب" من الجهة الأخرى هي علاقة احتواء، فالسماء هنا هي الحيّز المكاني الذي تتواجد فيه النجوم، وهي القرينةُ التي تشيرُ إلى المعنى المقصود للسماء في هذه الآية... وهو معنى مقارب لما ورد في الآية الكريمة {ولقد زيّنا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين}(الملك:5)...

ثم تمتدُ "السماء" في معناها إلى ماهيّةٍ مجهولةٍ، كما في قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماءِ وهي دُخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين، فقضاهنَّ سبعَ سمواتٍ في يومين، وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها}(فصلت:10) وهو معنىً بحاجة إلى كثيرٍ من التدقيق لإدراكه على وجهه الصحيح!...

كذلك فإن لفظة "أرض" في القرآن الكريم نَحَت نفس المنحى، ونسجت على نفس المنوال، فقد وردت "الأرض" في أحد معانيها لتشير إلى مكانٍ محدودٍ صالحٍ للرعي، وذلك في قوله تعالى: {فذروها تأكلُ في أرض الله}(هود:64) والقرينة الموضحة للمعنى هنا هي: الحيّز المكاني الذي يمكن أن ترعى فيه الدابّة.

ثم وجدنا معانيها تمتدُ لتتسعَ لمعنى: الأرض الزراعية لبلدٍ ما، كما في قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نصبرَ على طعامٍ واحد فادعُ لنا ربك يُخرجُ لنا مما تنبتُ الأرض}(البقرة:61).. والأرضُ هنا ذات معنىً أبعد وأرحب منها في المثال الأول..

ثم وجدنا مدلولها يتسعُ متجاوزاً البلدَ الواحدَ ليفيدَ معنى: "البلاد"، وذلك كما في قوله تعالى: {ألم تكن أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها}(النساء:97)، والقرينة هنا هي الفعل "فتهاجروا"، والذي يعني التنقل من مكان إلى مكان، ومن بلادٍ إلى أخرى...

ثم وجدنا مضمونها يأخذُ مدىً أوسع عندما أفاد مُصطلحاً فلكياً حديثاً هو "الكرة الأرضية" أو "كوكب الأرض"، وذلك كما في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء}(البقرة:29).. والقرينة المشيرة إلى هذا المعنى هي اقتران الأرض بالسماء، والذي يعني كل كوكب الأرض بما يحيط به من سماء، كذلك يمكن أن تكون طبيعة الخطاب ،والموجهة للعموم (خلق لكم) قرينةً أخرى توضح المعنى المقصود.

ويمكن للفظتي "سماء" و "أرض" أن تردا لتفيدا معنىً إضافيا غاية في الاتساع، كما في قوله تعالى: {إن في خلقِ السموات والأرض واختلافِ الليلِ والنهارِ لآياتٍ لأولي الألباب}(آل عمران:190).. فمضمون الآية الكريمة يمكن أن ينطبق على الكرة الأرضية وما يحيطُ بها من سماء، لكن يمكن له كذلك أن يتجاوز ذلك المعنى لينطبق على أرض كلّ كوكب سيّار من أمثال: أرض المريخ، أرض الزهرة، وأرض المشتري...الخ بما يحيطُ بكلٍ منها من سماءٍ خاصةٍ به، وبهذا فإن المفاضلة في الآية الكريمة (اختلاف ظاهرتي الليل والنهار) يمكن أن تتجاوز المفاضلة بين الليل والنهار على كوكب الأرض لتنطلق إلى مفاضلةٍ ومقارنةٍ أرحبَ وأوسعَ بين ليل ونهار الكواكب المختلفة فيما بينها، حيث لكل أرض (كوكب) سماؤها الخاصة، ولعل السموات قد جاءت جمعاً لتشير إلى اختلاف سماء كل كوكب (أي غلافه الجوي) عن غيرها من سموات الكواكب الأخرى، أما الأرض فقد جاءت مفردة لأنها تشير إلى جنس الأرض، وقد يكون في ذلك إشارة إلى الأصل الواحد لها جميعاً؟!...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 20:00

ولعل أعجب المواضع التي وردت فيها لفظتا "السماء" و "الأرض" هي ما ورد في سورة "هود" : {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها شهيق وزفير، خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك}(هود:106-107)... فأية سموات وأية أرض تلك التي ستكون موجودة والناس يعذبون في النار خالدين فيها؟!..

كذلك من الأمثلة التي يمكن ضَرْبُها لنسبية المعاني في القرآن الكريم مفهوم أُمِيّة الرسول e، وقد عبرّت الآيات الكريمة عن تلك الصفة وذلك في قوله تعالى:{الذين يَتَبِعونَ الرسولَ النبيَّ الأميَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل}(الأعراف: 157)...

و"الأميةُ" بمعناها المتعارفُ عليه في عالمِ اليوم هي أميةٌ تستمدُّ معناها من "الأمومة" (أي نسبة المرء إلى أُمِهِ)، فيقال: رجلٌ أميّ؛ بمعنى: أنه لا يعرف شيئاً وكأنه يوم ولدته أمه!، وهي في معناها الشائع تعبّرُ عن المعنى المقابل لإتقان القراءة والكتابة.. فهل أرادت الآيات الكريمة أن تشير إلى عدم قدرة النبي e على القراءة والكتابة؟!..

إنّ المفارقة ستزدادُ وضوحاً إِذا علمنا أن صفةَ "الأمية" قد أُشير إليها هنا في معرضِ خطاب ربِّ العزة لبني إسرائيل {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل}(الأعراف:157)؟!.. وبذا يتبين لنا أن الأمية في هذا الموضع إنما هي علامةٌ أعطاها الله لبني إسرائيل ليتعرفوا بها على نبيِّ آخر الزمان!!.. فهل تُعتبرُ أميّة النبيّ محمد e (بمعنى عدم القراءة والكتابة) علامة مميزة يمكنُ أن يَستدلَّ بها بنو إسرائيل على النبيّ الخاتم، نبيّ آخر الزمان؟!...

وقد وردت لفظة "أمي" كذلك في قوله تعالى: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}(الأعراف:158)..

وفي هذا الموضع يمكن ملاحظة المفهوم العالمي الذي تتحدث الآيات من خلاله القرآن، حيث يوجَهُ الحديثُ إلى الناس كافة، ويؤكدها بـ كلمة "جميعا"، وكأن مفهوم "الأمية" هنا يقابل نفس المفهوم العام...

إن مفهوم "النسبية" الذي نناقشه هنا يسمحُ لنا أنْ نلقيَ نظرةً أبعدَ مدىً، وأن ننسبَ أُمِيَّةَ النبيّ e إلى لفظةِ "أُمّة" لا إلى لفظة "أم"!، وبالتالي فإنّ صفة النبيّ الأميّ تكتسبُ معنىً جديداً هو: "نبيّ الأمة"، أو "نبي الأمم جميعاً".. وتصبح دلالةً على النبيّ المُرسل للناسِ كافة، وللعالمين جميعاً، وهو مفهومُ متأصل في القرآن الكريم. فكثيرةٌ هي الآيات التي تحملُ هذا المضمون؛ ومنها: {وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً}(سبأ:28). وكذلك قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين}(الأنبياء:107) وبهذه الدلالة فقط يتسنى لأُميّةُ النبي محمد e أن تصبح دليلاً واضحاً يستعين به بنو إسرائيل للتعرف على النبي الخاتم!، فهو من هذه الناحية نبيٌ مرسلٌ للناسِ جميعاً بعد أن كان الأنبياءُ يُبعثون لأقوامهم خاصة!!!...

ونضربُ مثالاً إضافياً واضحاً على "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم وذلك باللفظ "كَفَرَ"؛ والذي ورد في القرآن الكريم بمعانٍ متعددةٍ؛ كان المعنى اللغوي لها(25) قاسماً مُشتركاً بينها جميعاً...

لقد ورد اللفظ "كَفَرَ" في قوله تعالى: {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لآوتينّ مالاً وولدا}(مريم:77).. وهي تشير هنا إلى المعنى الاصطلاحي الدارج للكفر، والمتعارف عليه بين الناس، والمستمد لغوياً من معنيي "التغطية" و"الستر"، وما سُمي الكافرُ كافراً إلا لتغطيته على الأنْعُمِ التي أنعمَ اللهُ بها عليه؛ وعدم اعترافه بها!...

لكن ليس كلُّ كافرٍ كافراً؟!!.. فقد وردت اللفظة عينها في القرآن الكريم لتفيدَ معنىً آخر وذلك في قوله تعالى: {فاستوى على سوقِه يعجبُ الزُرَاعَ ليغيظَ بهم الكُفَار}(الفتح:29) وكذلك في قوله تعالى: {كمثلِ غيثٍ أعجبَ الكُفارَ نباتُه}(الحديد:20) فالكفار المقصودون هنا هم الزُراع، والقرينة هنا واضحة حيث السياق كله يتحدث عن النبات والزراعة والمطر.. لكن لماذا سُمي المزارع كافرا؟!.. لقد سمي كذلك لأنه هو منْ يكفرُ البذرةَ (أي يغطيها) بالتراب!...

لكنّ اللفظ ذاته ورد في موضعٍ ثالثٍ ليشيرَ إلى معنىً نظنه مُختلفاً عن سابقيه!، وذلك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئسَ الكُفارُ من أصحاب القبور}(الممتحنة:13)..

فمن هم الكفار المقصودون في هذه الآية(26)؟!.. هل هم الكفار بالمعنى الأول للفظ... أي من يغطي نِعَمَ الله ويخفيها ولا يعترف بها؟!، ولماذا اختُص الكفار باليأس من الموتى مع أن المؤمنَ أيضاً يمكنه أن ييأس من أصحاب القبور كالكافر تماماً ذلك أننا أمام حقيقة إنسانية عامة هي الموت!..

أم أن اللفظ يشير إلى الكفر بمعناه الثاني والذي يعني تغطية البذرة بالتراب انتظاراً لإنباتها؟!..

أم أن هناك معنىً ثالثاً يمكن أن نضيفه إلى سابقيه؟!!...

من الواضح أن نظرةً متسرعةً نلقيها على الآية الكريمة المشارُ إليها سوف تدفعنا باتجاه المعنى الأول لكلمة "كافر"؛ وهو المعنى الأكثر شيوعاً؛ والأكثر تعارفاً عليه بين الناس.. لكن هل يمكن أن يوجد لهذا اللفظ معنىً ثالثاً يكون مُشتقاً من الأصل اللغوي، ولا يكون مجرد إسقاطٍ لمعنىً على آخر؟!...

لنبحث عن القرينة التي تحدثنا عنها سابقاً، والتي يمكنها أن تفيدنا في تحديد أي وجوه معاني اللفظ المذكور هي المقصودة، ولنسأل أنفسنا سؤالاً: من هم أصحاب القبور؟!... والجواب: هم الأموات بالطبع!!.. ونسألُ أنفسنا مرةً أخرىً: فما علاقة الكُفار بالأموات؟!... والجواب: أن من يَدفن(28) ميتاً فهو كافرٌ له، وهو أكثرُ الناسِ علماً بحقيقةِ موته، فهو الذي يدفعه في حفرته، ويغطيه ،من ثمَّ، ليهيل عليه التراب بعد ذلك!!... والمعنى هنا يشترك مع غيره من المعاني السالفةِ الذكر (تغطية أنعم الله وسترها، وتغطية البذرة بالتراب) في أن جميعها تشترك في الأصل اللغوي الذي انبثقت عنه، ألا وهو التغطية والستر؟!!... وهي وجوهُ معانٍ متعددة، وذات مضامين نسبية للفظ لغويٍّ واحد!!..

ومع اعتقادنا بأن ظاهرة "النسبية" في القرآن الكريم هي قانون عام؛ إلا أننا نظن بأنها تناسب المصطلحات الخاصة بالزمن بشكلٍ خاص؛ حيث لم يحدد القرآنُ الكريم قيماً محددةً لكثيرٍ من الألفاظ الواردة فيه ذات الدلالة الزمنية؛ والمتداولةٌ بشكلٍ واسعٍ في حياتنا اليومية، حيث نعبر من خلالها عن قيم محددةٍ ثابتةٍ تختص بالوقت.

فالقرآن الكريم يتحدث عن "اليوم"، لكنه لا يقصدُ ،دائما، اليوم الذي نعرفه، والذي حدده الإنسان حديثاً بمقدار الزمن الذي تسستغرقه الكرة الأرضية لكي تكمل دورةً كاملةً حول نفسها، والمقدّر بأربعٍ وعشرين ساعة من زمننا الأرضي. وُجلُّ حديثِ القرآن الكريم في هذا الشأن (كلمة يوم) يتمحورُ حول مفهوم "اليوم الآخر": {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمْانِهِم، بُشْراكُمُ اليومَ جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها}(الحديد:12)، وكذلك في قوله تعالى: {لن تنفعكم أرحامُكم ولا أولادُكم يوم القيامة يفصل بينكم}(الممتحنة:3) والقرينة الموضحة للمعنى المقصود واضحةٌ في سياق كلتا الآيتين سالفتي الذكر..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسان كالو
المراقب العام
المراقب العام



مشرف مميز مشرف مميز
عدد المساهمات : 898
نقاط : 1649190
التقييم : 1
تاريخ التسجيل : 16/04/2009
الموقع : talhasel

من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم   من أسرار  البناء الداخلي في القرآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 02 يوليو 2009, 20:03

لكنَّ كلمة "يوم" في القرآن الكريم لا يقتصر ورودها على المواضع غير محددة المضمون كيوم القيامة، إذ يمكن أن يطال معناها ما تعارفنا عليه في حياتنا اليومية من معانٍ، وذلك باقترانها بقرينةٍ تُقيدها على وجهٍ يفيدُ هذا الفهم، وذلك كما في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاةِ من يومِ الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله}(الجمعة:9) وقد حُدِد مفهومُ كلمةِ "يوم" هنا من خلال اقترانها بكلمة "الجمعة"، فهو إذن أحد أيام الأسبوع على كوكب الأرض؟!... وهو عينه المعنى المراد في قوله تعالى: {فانطلقوا وهم يتخافتون، أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين}(القلم:24) والقرينة في المثال الأخير واضحةٌ، فهو حديثُ البشرِ للبشر عما هم متعارفون عليه من أيام الأسبوع!..

أما الإطلاقات العجيبة لكلمة "يوم" في القرآن الكريم فهي تجعله مدةً زمنيةً حائرة؟!؛ فهي ليست مما تعارفنا عليه نحنُ سكان كوكب الأرض، كما أنها لا تحمل قيمةً محددةً في حدّ ذاتها، بل جاءت لتحملَ قيمةً نسبيةً ،بالقياس إلى قيمة اليوم على كوكب الأرض؛ وذلك كما في قوله تعالى: {تعرجُ الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقدارُه خمسيَن ألف سنة)(المعارج:4)... وكذلك قوله تعالى: {وإن يوماً عند ربك كألفِ سنةٍ مما تعدون}(الحج:47)... وهنا تبدو الآيات الكريمة وكأنها تحملُ إشاراتٍ واضحةً لمفاهيم فيزيائية حديثة حول "نسبية الزمن" والتي ناقشتها نظريةُ النسبية لآينشتاين بعد ذلك بمئات السنين!!..

كذلك فإن مصطلح "الساعة" كان من المفاهيم الزمنية التي تحدث عنها القرآن الكريم، لكنه لم يقصد به ،على الإطلاق، ما نتداوله اليوم من معانيها، فهو لم يقصد الفترة الزمنية المكونة من ستين دقيقة!.. بل قصد من ورائه ،في بعض المواضع، فترةً زمنيةً قصيرةً نسبياً؛ وذلك كما في قوله تعالى: {لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة}(التوبة:117)، وكذلك قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}(الأعراف:34)..

وهي لم تأتِ في كلّ المواضع لتعبرَ عن نفس القيمة الزمنية القصيرة، بل إن أكثر إطلاقاتها قد جاءت لتخبرَ عن يوم الهول العظيم: {ويوم تقومُ الساعةُ يومئذ يتفرقون}(الروم:14)، كذلك قوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا يا حسرتنا}(الأنعام:31)..

وقد يبدو لنا ،في كثيرٍ من المواضع القرآنية، تلاشي واختفاء الحدود الزمنية المعهودة لدينا، فنرى في بعض المواضع أن الآيات تتحدث عن المستقبل بصيغة الماضي، وتتحدثُ عما سيأتي كما لو أنه قد تَمّ بالفعل!، كما في قوله تعالى: {إذا السماءُ انفطرت، وإذا الكواكبُ انتثرت، وإذا البحار فجّرت}(الانفطار:1-3)، وقوله تعالى:{إذا السماء انشقت}(الانشقاق:1).. والآية الكريمة: {وسيق الذين اتقواْ ربهم إلى الجنة زمرا، حتى إذا جاءوها وفُتحت أبوابُها وقال لهم خزنتها سلامٌ عليكم طبتم فادخلوها خالدين}(الزمر:73).. وهي ،بلا شك، ظاهرةٌ تستحقُ التوقف عندها من خلال دراسةٍ متأنيةٍ واعية.

ولعل من ملامح "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم استخدام بعض الأدوات اللغوية ،في بعض المواضع، للتعبير عن معانٍ غير تلك التي شاع استخدامها للتعبير عنها!!...

فالفعل "كان" ،على سبيل المثال، والذي شاع استخدامه للتعبير عن حدوث فعلٍ ما في الزمن الماضي، قد ورد في مواضعَ معينةٍ من القرآن الكريم للتعبير عن: "الحقيقة الثابتة"؛ والتي لا علاقة لها بالتحولات الزمنية؛ كقوله تعالى:{وكان الله غفوراً رحيماً}(الأحزاب:50) وكذلك قوله تعالى: {كنتم خير أمةِ أُخرجت للناس}(آل عمران:110) حيث أشير إلى أن المقصود من ورائها هو وجودُ شيءٍ ما في زمانٍ ماضٍ على سبيل الإبهام، وليس فيه دليلٌ على عَدَمٍ سابق، ولا على انقطاع طارئ.

كذلك من ملامح ظاهرة النسبية، استخدام الحرف "ثم" ،ذو الدلالة الزمنية المعروفة(29)؛ بشكل غير مألوف، ففي الوقت الذي يردُ فيه هذا الحرف في بعض المواضع لتكونَ له دلالةٌ زمنيةٌ واضحةٌ كما في قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلةً ثم اتخذتم العجلَ من بعده وأنتم ظالمون}(البقرة:51-52) وجدناه في مواضع أخرى يفتقدُ إلى تلك الدلالة، وليتجاوزَ مهمة "التعبير عن الزمن" إلى مهمةٍ جديدةٍ هي "التعبير عن الربط الموضوعي" بين كيانين موضوعيين، ولتصبح الدلالة الزمنية وفق الاستخدام الجديد ذات قيمة هامشية غير ذات أهمية!. مثالُ ذلك: التعبير غير المألوف الوارد في قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون (ثم) كُلي من كلّ الثمرات}(النحل:68)... فحرف (ثم) هنا إنما يقوم بمهمة الربط الموضوعي بين مقامين موضوعيين هما مقام (اتخاذ البيوت) و مقام (الأكل)، ولو دققنا النظر فسنجدُ أنْ ليست هناك علاقة تراتُبٍ زمنيٍ بين عملية (اتخاذ البيوت) وبين عملية (الأكل)، إذ لا يُعقلْ أن يظَلَّ النحلُ بدون أكل إلى أن ينتهي من عملية اتخاذ البيوت!؛ وهي العملية التي يُعتقد أنها استنفدت آلاف السنين لتستقرَ على حالها النهائي؛ بعد تنقلها من الجبال، إلى الشجر، وإلى ما يعرشون!!...

إن من شأن النظر إلى حرف (ثم) من خلال المنظور الجديد ،الذي لا يشترط الدلالة الزمنية في الحرف، من شأنه أن يلقي مزيداً من الضوء على بعض المواضع في القرآن الكريم غير كاملة الوضوح بالنسبة لنا كبشر، في الإطار الزمني الذي نعيش فيه وذلك مثل قوله تعالى : {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام (ثم) استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا}(الفرقان:59)...

بقي أن نذكر أنّ "ظاهرة النسبية" في القرآن الكريم هي المبرر الوحيد لصلاحية الألفاظ "المحدودة" للتعبير عن معانٍ "مطلقة"، فالدين ،أي دين، مجالُه عالم الغيب المطلق، لكن ذلك لا يعني انفصاله عن عالم الواقع المحدود، وهو في الوقت الذي يتناولُ فيه غيرَ المُدرَك من المعاني المطلقة؛ فإنه يتعامل في الوقت ذاته مع المدرك والمحسوس في حياة الناس، لذلك كان من المنطقي أن يقرِن القرآنُ الكريم بين هاتين الحقيقتين فيأتي بهما في آيةٍ واحدة {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}(البقرة:3) فالإيمان هنا يمس عالم الغيب، بينما الصلاة حقيقةٌ من حقائق الواقع المحسوس!.. وهو ما يوضح حقيقة أن قيّم المعاني المحتملة للفظٍ ما يمكن أن تكون جدّ متباعدة؛ وذلك إذا ما تم استخدام تلك اللفظة للتعبير عن معنيين من عالمين مختلفين يفصل بينهما كلّ ذلك التباعد، كأن يكون الأول غيبياً والآخر محسوس!...

من هنا فقد زادت الحاجة لدينا للتفريق بين الوجوه المتعددة والمحتملة للفظٍ ما، لأن الخلط بين تلك الوجوه كثيراً ما كان يؤدي إلى خلل خطير في الفهم... مثال ذلك ما كان يحدث عندما يتم فهم صفات الله عز وجل (وهي غيب) على ضوء فهمنا وإدراكنا لمعاني تلك الصفات في عالمنا المادي المحسوس!.

المهم هنا هو أننا أصبحنا الآن ندركُ جيداً مدى حاجتنا إلى إرساء قاعدة "المحتوى النسبي المتدرج للألفاظ"؛ والتي بدونها لا يمكن لنا أن نقترب من فهم النص القرآني على وجهه الصحيح..

إن ما يبدو لنا واضحاً الآن هو أن تجاهل قاعدة "النسبية" في القرآن الكريم؛ إنما سيجعل المرءَ أسيراً للمعاني القريبة للألفاظ، بما ينعكس سلباً على طريقة إدراكنا لمعاني الآيات فيحدّ من آفاقها!..

ولعلنا ندرك اليوم حاجتنا إلى إفراد تلك الظاهرة بدراسة خاصة بها، تجلي معناها، وتقدم مزيدا من الشرح والتوضيح لأمثلتها، وهو العمل الذي يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من أسرار البناء الداخلي في القرآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من عجائب القرآن الكريم
» المحكم والمتشابه في القرآن الكريم
» إعجاز كتابة القرآن الكريم
» سماع القرآن الكريم يقوي جهاز المناعه
» حمل القرآن الكريم بصوت القارئ الذي تريده

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات تلعرن و تلحاصل الثقافية.....احدى أعضاء شبكة كونديما الثقافية  :: المنتدى الإسلامي :: الاعجاز العلمي في القرآن والسنة-
انتقل الى: