أمام قبر عدوي

( هذه كلامٌ متخيل على لسان إنسانٍ قضى عشر سنوات من حياته يبادل أخاه العداوة و البغضاء )

طالما حلمت بهذا الشعور ... شعور أراك من خلاله خامداً بلا حراك ، و قد أسدل التراب فوققك إلى يوم الدين ... شعور بأنك قد انتهيت من حياتي ، حياتي التي كدرتها عداوتنا السوداء ، و أنفقت عليها عشر سنوات من أيامي المعدودة ... عشر سنوات كنت فيها شمس الظهيرة التي تبث في أنفاسي الحرارة الخانقة ... و تبعث في جوفي الجفاف و الغضب ...
كم أنا سعيد برؤيتك هنا ؟ سعيدٌ لأنك كنت علقم الأيام ، و سدر الأحلام ، و لكن ليس بعد اليوم ، ليس بعد أن ملأ جوفك التراب و رحلت .. رحلت من هنا مع قافلة الأيام ، لتدعني وشأني و تدع لي ما تبقى من حياتي لأحياها من دونك .

ولكني أود أن أعرف هل أنت سعيد ؟ هل أنت سعيد مثلي بهذه النهاية ؟ هذه النهاية التي لا نعرف غيرها في قصص البشر و حكاياتهم ، هذه النهاية التي تعود أكثرنا أن لا يراها في غيره إلى أن يراها في نفسه .

أعلم أنك تتألم ، تتألم على هذه الأيام التي أضعناها في خلافات ما كان يجب أن تكون ... نعم ما كان يجب أن تكون ..

( لم أتمالك نفسي عندما بدأت دموعي تنهمر )

لا لن أكابد على نفسي بعد اليوم .. لن أخفي حبي لك يا أخي ... طالما أردت البوح لك به ولكنك لم تدع لي فرصة ... ليتك أحببتني كما أحببتك ! ليتنا أحسسنا بمعنى الأخوة !

لا أعرف لماذا كنت تكرهني ، ولا أعرف لماذا كان الغضب يعمي بصري ، ولكنني اليوم أتألم لفراقك ألماً شديداً ...

أتألم لأني لم أدرك معنى الأخوة قبل اليوم .. أتألم لأنك أغمضت عينيك كارهاً لي ... حاقداً علي ... أتألم لأنني لم أكن جديراً بأخوة إنسان عظيم مثلك ..

نعم .. لقد كنت حقاً إنسان عظيماً إلا معي ... لقد كنت كسيف الدولة ، وكنت المتنبي الذي يقول :

ياأعدل الناس إلا في معاملتي ... فيك الخصام و أنت الخصم والحكم .

( أحسست الأرض تجذبني إليها ... جثوت على ركبتي وعانقت قبره ... عانقته و بكيت ... كنت أشعر وقتها بقلبي يأنِّ في صدري ويعتصر ... و أن للقبر راحة و دفئاً )

أحبك يا أخي ... أرجوك سامحني ...لقد كنت أنا المخطئ في حقك ، و لكن أرجوك عد ... عد فأنا بحاجة إليك ... ليتني أحيا معك بقلب واحد ... ليتني عرفتك أخي ... ليتني عرفتك من قبل .