نحن رجل واحد قوي

نحن رجل واحد قوي

ھناك فرد يقوم في ھذه اللحظة باستھلاك جزء من ال 24
مليار ليتر من الماء التي يستھلكھا يومياً، ھو بحاجة إليھا
كي يبقى على قيد الحياة، اضافة الى ال 12 ألف مليار ليتر
التي يستخدمھا لإنتاج المواد الغذائية التي تشبع جوعھ...
ھذا الفرد قادر على تحريك 40 مليار طن من الحجارة
سنوياً (أكثر ب 40 مرة مما تفعلھ الرياح في جميع أنحاء
الأرض) لبناء البيوت، الجسور، الأبراج اضافة الى بنى ھو
بحاجة إليھا ليستمر "دماغھ" في العمل... دماغھ مكون
من 435 مليون نقطة انترنت، 845 مليون كمبيوتر، 2.21
في ھواتفھ المحمولة، ومن 1.3 مليار خط SIM مليار بطاقة
ھاتفي أرضي... كل ھذا يشكل، بصورة أو بأخرى، نظاماً
عصبياً فائق السرعة يجعلھ، وفقاً للكثيرين، ذي ذكاء
خارق... ھو فرد نعرفھ كلنا لأننا جميعاً نشكل جزءً منھ...
وھو الفرد الذي قال الفيلسوف الفرنسي والأستاذ في جامعة
أنھ يتمتع بذكاء Pierre Lévy بيير ليفي VIII باريس
جماعي.
النمل، النحل، بعض أنواع الأسماك، حتى بعض الثدييات
تتصرف ككائن واحد، وھي اجتماعية على وجھ الحصر،
وقد طورت ھذا الأسلوب خلال تطورھا لتزيد احتمالاتھا في
البقاء... إلا أن الأمر مختلف بعض الشيء عندما نتحدث عن
الإنسان؛ فعنصر الفردية الشخصية متوطن فيھ... العديد
من الفلاسفة يرون أنھا صفة وجدت مع الإنسان منذ بدء
التاريخ؛ إلا أنھا لم تمنعھ من تكوين شبكات جماعية ابتداء
بالتجمعات السكانية لتكوين قرى ومدن ثم دول، مروراً
بالتجمعات ذات الطبيعة العمالية؛ كالأعداد التي تم جمعھا
لبناء الأھرامات أو سور الصين العظيم، وانتھاء بتكوينھ
شبكات اجتماعية على الإنترنت اليوم... لقد اعتمد الإنسان
طوال تاريخھ على نقل المعلومات والخبرات عن طريق
الكتابة والنقل الشفھي، إلا أنھ لم تمر أية حقبة تاريخية
سابقة كان تناقل المعلومات فيھا بسرعة اليوم التي وصلت
في حركتھا الى سرعة الضوء؛ فھذه ھي السرعة التي
تتحرك بھا صور البث التلفزيوني المباشر، والرسائل
الإلكترونية، والدردشات باستخدام برمجيات التحدث اللحظي،
والصوت بين ھاتفين محمولين... لكن ھل كل ھذا التقدم في
الإتصالات يجعلنا أكثر ذكاءًَ؟ الحقيقة أن سرعة نقل
المعلومة تغير مفاھيم كثيرة، فسرعة حركتھا يجعل
امكانية استقبالھا ومعالجتھا أسرع وربما أكثر فاعلية من
انتظار أيام أو أسابيع أو أشھرلإستقبالھا... لأن ھذه السرعة
تعطي للإنسان الفرصة في استيعاب كم أكبر من
المعلومات في فترة حياتھ القصيرة نسبياً.
من أھم الأمثلة على الوعي الجماعي الذي بدأت شبكة
Wikipedia الإنترنت في تشكيلھ نجد الموسوعة المجانية
والتي تتشكل بصورة يومية بواسطة مستخدمي الإنترنت
أنفسھم والتي يستفيد من محتوياتھا المستخدمين أيضاً وھي
ما يمكننا اعتباره النموذج الأولي لذاكرة الرجل الواحد
القوي الذي نشكلھ نحن البشر مجتمعين.
ھناك أفكار مختلفة حول كيفية تطوير ھذه العلاقة البشرية
مع شبكة الإنترنت بصورة أعمق؛ فماذا لو تمكنا في
المستقبل من "تحميل" كافة محتويات أدمغتنا الى الإنترنت؟
بھذا نكون قد حققنا ھدفين في غاية الأھمية؛ أولھما أن
أفكارنا ومعلوماتنا و، ربما، إدراكنا للأمور سيستمر في
التطور والنمو ليمكننا من "الدوران" والإستفادة بصورة
مستمرة مما يتم نشره وعملھ وتطويره على الإنترنت...
الھدف الثاني ھو أننا سنكون قد اكتسبا الخلود؛ فمع أننا
سنموت جسدياً، إلا أن أفكارنا وشخصياتنا ستسمر بصورة
رقمية الى الأبد.
ھناك أيضاً من يرغب في صنع جھاز كمبيوتر يحاكي في
عملھ الدماغ البشري... فرغم كل ما وصلتھ علوم الكمبيوتر،
إلا أن الدماغ ھو أرقى آلة مفكرة ومدركة نعرفھا في
الكون... لھذا ھناك من بدأ العمل على محاكاة دماغ بدائي
ما نعرفھ أننا دخلنا في مرحلة لا سابق لھا
في تاريخنا، مرحلة من الممكن أن توصلنا الى تكوين الرجل
الواحد القوي الذي يدرك كل جزء فيھ بقية أجزاءه ويتبادل معھا
المعلومات؛ ما سيشكل مرحلة تطور تفوق بمواصفاتھا
جميع مراحل التطور البيولوجي التي مرت علينا سابقاً.