«وادي الذئاب»: تركيا حامية المنطقة.. وجريدة «المستقبل» في حلب!

قد يكون «وادي الذئاب» من أنجح المسلسلات التركية التي أسست في ما بعد لنجاح الفيلم السينمائيّ التركيّ «وادي الذئاب – العراق»، الذي يُعَدّ أضخم إنتاج سينمائيّ في تاريخ السينما التركيّة، والذي طرح وجهة النظر التركيّة عن الصراع في منطقة تدور فيها وعليها الدوائر وتوضع لها المخطّطات. حاول الفيلم أن يرسّخ في الأذهان وجوب اللوذ بالحامي التركيّ، الذي هو وريث السلطان العثمانيّ الذي كان سيّد وقائد المنطقة في عهود سالفة وخير معبّر عن السياسة التركيّة إزاء مشاكلها. عجت الحبكة بالالتفافات، ومنها الاتّكاء بشكل شبه مطلق على الدين، كونه الإرث الأكثر فعاليّة في ذاكرة وحيَوات شعوب المنطقة، على الرغم من العلمانيّة التي تهتف بها الجمهوريّة التركيّة منذ تأسيسها.
في الإطار نفسه، يأتي المسلسل التركيّ المُدبلج «وادي الذئاب»، الذي يعرَض الجزء الثاني منه على قناة «أبو ظبي»، على النقيض من غالبيّة المسلسلات التركيّة المدبلجة حتّى الآن من عدّة نواحٍ، قد تكون الحبكة المتماسكة أوّلها، إضافة إلى الإقناع في سرد وعرض التفاصيل والمواقف، وربط مختلف الأحداث ببعضها. لا حدث يجري بمعزل عن أحداث الجوار، كلّ الخيوط متشابكة، كأنّما الذئاب المكنّاة هي عناكب تنسج شباكها. إلا انه لا يمكن إلا ملاحَظة إسقاط أو إهمال «العراق» من العنوان الرئيسيّ، كأن المسلسل يريد ان يؤكد ان «وادي الذئاب» يشمل العالم كلّه، ولو مع تركيز على المنطقة العربية، خصوصاً ان السيناريو يرسم «الشرق الأوسط» بصفته بؤرة التوتّر المرشّحة للانفجار دوماً. هنا لا تستثنى أرض العراق كواحدة من الساحات العديدة التي تُخاض عليها معارك المافيا الدوليّة، التي تبدو راسمة لسياسات العالم كلّه، فيكرس المسلسل حضورها في أدقّ الدقائق، وفي كلّ الزوايا والأماكن المتوقّعة وغير المتوقّعة.
تبرز موهبة الممثل التركي نشأت شاشماظ الذي يلعب شخصية «مراد علمدار» الرئيسية، حيث يحاول الدخول إلى قلب المافيا ويعرض احتدام الصراع بينها وبين الأنظمة والماسونيّة العالميّة، وعرض المؤامرات والمكائد الدوليّة التي تحاك ضدّ المنطقة ككل. في كل هذا يؤكد «وادي الذئاب» على رسالة سياسية واضحة: بقاء التركيّ حامياً مدافعاً عن القيم المعمول بها. وهو ما يبان عبر انتقائيّة واضحة في طروحاته تعكس توجهاً سياسياً لا يخفيه المسلسل، علماً ان بعض المشاهد قد اُسقطت في الدبلجة (بعكس النسخة التركية)، ولا سيّما تلك المتعلّقة بالجانب السوريّ، حيث اعتنت الدبلجة بإظهار الإيجابيّ منها، والبعد عما قد يثير حساسيات سبق وشاهدها الجمهور التركي في نسخة المسلسل الأصلية، علماً ان «وادي الذئاب» يلمّح إلى بعض الاختراق للمنظومة الأمنيّة في سوريا، ويتناول التسلّل إلى مدنها بشكل غير مشروع، بل ارتكاب الجرائم على أراضيها، لكنه يشدد على انها ضحيّة الإرهاب الدوليّ والخرق الأمنيّ. كما لم تتردد حبكة المسلسل بالدخول إلى أكثر من حدث متفجر على الساحة الاقليمية (تحديداً اللبنانية الداخلية)، خصوصاً عندما تناولت قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عبر التشديد «اتهموا سوريا وهي منه بريئة»، وكان لافتاً في إحدى الحلقات حديث البطل ولو سريعاً عن مؤامرة فاشلة كان هدفها «التخطيط لقتل رئيس الوزراء اللبنانيّ فؤاد السنيورة»، وهي جملة كانت مرشحة للكثير من التفاعل خصوصاً في ظل فترة التوتر السياسي التي كانت سائدة بين لبنان وسوريا. وبرغم اعتناء المسلسل بالتفاصيل والحبكة، إلا ان ذلك لا ينفي ان بعض التفاصيل قد أفلتت منه مثل عندما ظهر البطل «مراد علمدار» في مدينة حلب وجريدة «المستقبل» اللبنانيّة في يده، مع العلم بأنّ جريدة «المستقبل» ممنوعة من الدخول إلى سوريا منذ بضع سنوات، تحديداً خلال الفترة التي يعالجها المسلسل. يبقى انه في المشاهد المصورة في مدينة حلب، يظهر «مراد علمدار» رمزاً ومخلّصاً للكثيرين «سوريّاً وعربيّاً وإسلاميّاً»، حيث يجد كثيرون فيه ما يفتقدونه من روح المغامرة والقدرة على المناورة واحتمال المصاعب، والتمكّن من التخلّص من الكمائن المنصوبة. أي أنّه النموذج التركي المدبلج المنشود شعبيّاً وشبه المُفتقد واقعيّاً. واللافت انه يقدم هذه المرة عبر عمل تركي يدخل السياسة من بابها العريض ولو ان الدبلجة تتولى تشذيب بعض شطحاته!