التعريف بالإمام النووي رضي الله عنه
نسبه: هو الإمام الحافظ الأوحد، القدوة شيخ الإسلام، علم الأولياء محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الخزامي، الحواربي (الشافعي) صاحب التصانيف النافعة.
مولده: ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم (دمشق) سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكن في الرواحية يتناول خبز الدراسة، فحفظ (التنبيه) في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع (المهذب) حفظاً في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد. ثم حج مع أبيه وأقام بالمدينة المنورة شهراً ونصفاً، ومرض أكثر الطريق.
فذكر شيخنا أبو الحسن ابن العطار: أن الشيخ محي الدين ذكر له أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درساً على مشايخه شرحاً وتصحيحاً.
درسين في "الوسيط"، ودرساً في "المهذب"، ودرساً في "الجمع بين الصحيحين" ودرساً في "صحيح مسلم" ودرساً في "اللمُع" لابن جني، ودرساً في "إصلاح المنطق" ودرساً في "التصريف"، ودرساً في "أصول الفقه" تارة في "اللمع" لأبي إسحاق، وتارة في "المنتخب" للفخر الرازي، ودرساً في "أسماء الرجال"، ودرساً في "أصول الدين"..
وقال: وكنت أعلِّق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، وتوضيح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله تعالى في وقتي، وخطر لي أن أشتغل في الطب، فاشتغلت في كتاب "القانون"، وأظلم قلبي بقيت أياماً لا أقدر على الاشتغال، فأشفقت على نفسي وبعت القانون فنار قلبي.
شيوخه: سمع من الرضي بن البرهان، وشيخ الشيوخ عبد العزيز بن محمد الأنصاري، وزين الدين بن عبد الدئم، وعماد الدين عبد الكريم الخرستاني، وزين الدين خلف بن يوسف، وتقي الدين بن أبي اليسر، وجمال الدين بن الصيرفي، وشمس الدين بن أبي عمر، وطبقتهم.
وسمع من الكتب الستة، والمسند، والموطأ، وشرح السنة للبغوي، وسنن الدارقطني، وأشياء كثيرة، وقرأ "الكمال" للحافظ عبد الغني علاء الدين. وشرح أحاديث "الصحيحين" على المحدث ابن اسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي، وأخذ "الأصول" عن القاضي التفليسي "وتفقه" على الكمال إسحاق المعري. وشمس الدين عبد الرحمن بن نوح، وعز الدين عمر بن سعد الإربلي، والكمال سلا الإربلي، وقرأ "اللغة" على الشيخ أحمد المصري وغيره، وقرأ على ابن مالك شيئاً من تصنيفه، ولازم الاشتغال والتصنيف ونشر العلم، والعبادة، والأوراد، والصيام، والذكر، والصبر على المعيشة الخشنة في المأكل، والملبس، كلية لا مزيد عليها، "ملبسه" ثوب خام، و "عمامته" سبجلانية صغيرة!.
تلاميذه: تخرج عنه جماعة من العلماء منهم: الخطيب صدر سليمان الجعفري، وشهاب الدين الإربدي، وعلاء الدين ابن العطار. وحدَّث عنه: ابن أبي الفتح، والمزني، وابن العطار.
اجتهاده، حفظه، زهده: قال ابن العطار: ذكر لي شيخنا رحمه الله تعالى، أنه كان لا يضيع له وقت لا في ليل ولا في نهار، حتى في الطريق، وأنه دام ست سنين، ثم أخذ في التصنيف والإفادة والنصيحة وقول الحق.
قلت: مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها، كان حافظاً للحديث وفنونه، ورجاله وصحيحه وعليله، رأساً في معرفة المذهب!
قال شيخنا الرشيد بن المعلم: عذلت الشيخ محي الدين في عدم دخوله الحمام، وتضييق العيش في مأكله، وملبسه، وأحواله، وخوفته من مرض يعطله عن الاشتغال فقال: إن فلاناً صام وعبد الله حتى اخضر جلده!.
وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار ويقول: أخاف أن يرطب جسمي، ويجلب النوم! وكان يأكل في اليوم والليلة "أكلة" ويشرب "شربة" واحدة عند السحر!
قال ابن العطار، كلمته في الفاكهة، فقال: دمشق كثير الأوقاف، وأملاك من تحت الحَجْر، والتصرف لهم لا يجوز إلا على وجه "الغبطة" لهم ثم "المعاملة" فيها على وجه "المساقاة" وفيها خلاف فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك؟! وقد جمع ابن العطار سيرته في ست كراريس.
تصانيفه: من تصانيفه شرح "صحيح مسلم"، و "رياض الصالحين"، و "الأربعين"، و "الإرشاد" في علوم الحديث و "التقريب"، و "المبهمات" و "تحرير الألفاظ للتنبيه" و "العمدة" في تصحيح التنبيه، و "الإيضاح" في المناسك، وله ثلاثة مناسك سواه، و "التبيان" في آداب حملة القرآن، و "الفتاوى"، و "الروضة" أربعة أسفار، وشرح "المهذب" إلى باب المصرّاة في أربع مجلدات. وشرح "قطعة من البخاري"، و "قطعة من الوسيط"، و عمل "قطعة من الأحكام"، و "جملة" كثيرة من "الأسماء واللغات"، ومسودة في "طبقات الفقهاء"، ومن التحقيق إلى باب صلاة المسافر. [وقال الحافظ السخاوي المتوفى سنة (902) هجرية: (وله) "بستان العارفين" في الزهد والتصوف بديع جداً].
ورعه: كان لا يقبل من أحد شيئاً إلا في النادر ممن لا يشتغل عليه، أهدى له فقير إبريقاً فقبله، وعزم عليه الشيخ برهان الدين الإسكندراني أن يفطر عنده، فقال: أحضر الطعام ونفطر جملة فأكل من ذلك، وكان لونين، وربما جمع الشيوخ بعض الأوقات بين إدامين!
مواقفه مع الملوك في الأمر بالمعروف: وكان يواجه الملوكَ والظلمَة بالإِنكار، ويكتب إليهم ويخوفهم بالله تعالى؛ كتب مرةً:
من عبد الله يحيى النووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المولى المحسن، ملك الأمراء بدر الدين أدام الله له الخيرات! وتولاه بالحسنات! وبلغه من خيرات الآخرة والأولى كلَّ آماله! وبارك له في جميع أحواله! "آمين". وننهي إلى العلوم الشريفة، أن أهل الشام في ضيق عيش وضعف حالٍ، بسبب هذه السنة في قلة الأمطار..
وذكر فصلاً طويلاً، وفي طي ذلك ورقة إلى الملك الظاهر، فرد جوابها رداً عنيفاً مؤلماً، فتكدرت خواطر الجماعة.
وله رسالة لغير الملك الظاهر في الأمر بالمعروف. وكان شيخاً ابن فرح يشرح على الشيخ الحديث فقال نوبة: "الشيخ محي الدين" قد صار إلى ثلاث مراتب كل مرتبة لو كانت لشخص لشُدّت إليه الرحال: العلم، والزهد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفاته: سافر الشيخ رحمه الله تعالى فزار بيت المقدس،وعاد إلى نوى، فمرض عند والده فحضرته "المنية" فانتقل إلى رحمة الله في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة؛ وقبره ظاهر يزار؛ قاله الشيخ قطب الدين اليونيني، وقال: كان أوحد زمانه في العلم، والورع، والعبادة، والتقلل، وخشونة العيش.
ولد "النووي" في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة بنوى، وكان أبوه من أهلها المستوطنين بها. وذكره أبوه - رحمه الله تعالى - أن الشيخ كان نائماً إلى جنبه، وقد بلغ من العمر سبع سنين، ليلة السابع والعشرين من شهر مضان، فانتبه نحو نصف الليل وقال: يا أبت! ما هذا الضوء الذي يملأ الدار؟ فاستيقظ الأهل جميعاً، قال: لم نر كلنُّا شيئاً. قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر.
وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي: رأيت الشيخ محي الدين وهو ابن عشر سنين "بنوى" والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم! ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه!
وجعله أبوه في دكان فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به وقلت: هذا "الصبي" يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: مُنَجم أنت؟ فقلت: لا وإنما أنطقني الله بذلك. فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام؛ رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ونفعنا به وبعلومه آمين.