حلبيون يعيدون النظر في ألقابهم «المحرجة» ومنهم من يتفاخر بها!

اختلف الحلبيون ممن تحمل عائلاتهم ألقاباً لها دلالات مشينة تنتقص من القدر الاجتماعي على جدوى تغييرها بأخرى لا تسبب الإحراج، فمنهم من وجه دعاوى إلى المحاكم المختصة بهدف الحصول على كنية جديدة في سجلات الأحوال المدنية تتناسب مع الجاه والمكانة، على حين رفض آخرون تجريدهم من اسم النسبة موضع التفاخر الذي يجمع شملهم بغض النظر عن معناه.
ووجد بعضهم في الحصول على الألقاب التركية المرموقة وسيلة ومقاماً يعلي من حظوتهم وشأنهم الاقتصادي والاجتماعي مثل «الآغا» و«البيك» و«الباشا» بعدما لم يعد الحصول على أحدها في حاجة إلى فرمان من «الباب العالي»، كما في زمن السلطنة العثمانية، بل يتطلب اللجوء إلى المحكمة لإثبات النسب من طريق شاهدين من الأقارب أو الجيران أو بتوكيل محام من غير ذوي الخبرة والمهارة القانونية لاستكمال الإجراءات الروتينية، وشهد لقب «الأفندي» التركي إقبالاً لافتاً على حساب «اليوزباشي» في سجلات الأحوال المدنية مع أن كليهما من وظائف الدرجة الثانية الإدارية.
ولا تزال الكثير من الدعاوى في طريقها إلى المحاكم بهدف تغيير اللقب الذي أطلق تعسفاً وأخلّ ببعض القيم الاجتماعية المتعارف عليها، من وجهة نظر بعضهم، ومن الأمثلة على ذلك ألقاب «طرطور»، «الجربان»، «الجدبة»، «مزوّر»، «شرشوح»، «مزنوق»، «مشنوق»، «زبال»، «جربوع».
وسمح القانون بتصحيح الأخطاء الواردة في سجلات الأحوال المدنية على اعتبار النسبة من الوقائع المادية «التي يجوز إثباتها بالبيّنة الشخصية» ويجب على المحكمة سماع البيّنة التي تثبت الواقعة، وفتح بذلك الباب على مصراعيه أمام المدّعين لتصحيح الاسم «واختيار ما يناسب تطلعاتهم ومكانتهم الاجتماعية الجديدة»، بحسب تعبير أحدهم.
وبادر شبان منعوا من دخول المنافذ الحدودية لدول عربية أو أجنبية بسبب مخالفات ارتكبوها في تلك الدول إلى تقديم دعاوى مشابهة بحجة ورود أخطاء في السجلات المدنية، بمؤازرة شاهدين اثنين، للحصول على قرار من المحكمة ومن ثم الحصول على جوازات سفر جديدة بأسماء جديدة ليتمكنوا من السفر أو الهجرة مرة ثانية إلى تلك الدول من دون خوف أو مساءلة. وفي مثل هذه الحالة، يستعاض عن اسم النسبة بآخر قريب الشبه به من الناحية اللغوية، مثلاً عبيد بدلاً من عابد وكرد عوضاً من كردو، أو بإضافة «ال» التعريف أو حذفها من الألقاب التي توافق أسماء العلم أو الصفات واللجوء إلى الأسماء المركبة.
وبينما رفض أ. جربوع (34 عاماً) العدول عن لقبه المقيد في أوراقه الثبوتية لاعتبارات اجتماعية أيضاً «كون عائلتي مشهورة بالثراء»، وجد م. الصادق (27 عاماً) الفرصة مواتية لاستبدال كنية الصادق بالحرامي بعد أن سبقه بعض أبناء عمه إلى ذلك وخبت أصوات المعارضة المنددة بهذا التحول في حياة الأسرة: «كثيراً ما عانيت من الإحراج بسبب لقبي السابق وهذا ما حصل لأطفالي في المدرسة».
وقد تفقد أخطاء التسجيل في القيود المدنية الاسم أو اللقب معناه وقيمته الدلالية كالفرق بين قتيبة وكتيبة، وأحياناً يسجل تاريخ الولادة وفق التقويم الهجري الذي لا تعتمده السجلات السورية ما يستدعي التصحيح وزيادة عمر المدّعي بنحو 600 عام. وكثيراً ما تتعدى الأخطاء اللقب إلى اسم الأب أو الأم أو تاريخ ومكان الولادة وتتسبب في إرباك القيود عند حدوث ازدواجية في تحديد الشخصية كما تلحق الضرر بمصالح المدّعي الاقتصادية لجهة حصر الإرث أو تثبيت النسب.
ولدى تحديد تاريخ الولادة يلزم استشارة الطبابة الشرعية لتقدير العمر في ضوء التشكيلات البدنية الظاهرة، ويمكن تقدير عمر الطاعنين في السن بسؤالهم عن أحداث تاريخية عاصروها مثل السفربرلك «الحرب العالمية الأولى» أو حكومة الملك فيصل. وفي حال صدور قرار من المحكمة ترسل صورة عنه إلى الأدلة القضائية في مركز المحافظة، وقبل ذلك ترسل مديرية الشؤون المدنية نسخة منه إلى فرع الهجرة والجوازات وإلى الفروع الأمنية المختصة لإبداء الرأي.
وقال أحد المحامين: إن القاضي لا ينظر في الدعوى إلا عندما تصبح مهيأة للفصل وقرار المحكمة وجاهياً قابلاً للاستئناف «أي يمكن رفع الدعوى في حال عدم الاقتناع بمسوغاتها إلى محكمة الاستئناف المدنية للنظر فيها ضمن المدة القانونية، على حين تعفي الحالة الأولى شرط المدة». لافتاً إلى أهمية اسم النسبة في الوسط الاجتماعي «لأنه القاسم الذي يوحّد أفراد الأسرة في القيود المدنية وفق نصوص القانون، ولذلك تكثر الدعاوى الخاصة بها في المحاكم السورية».
ودعا أنطوان (طالب جامعي، 22 عاماً) إلى كتابة الأسماء والألقاب الأرمنية على ورق من قبل أمناء السجل المدني وموظفيه وعرضها على صاحب العلاقة للتأكد من خلوها من الأخطاء قبل تثبيتها في السجلات «لأنها غالباً ما تحمل أخطاء جسيمة بسبب صعوبة لفظها في اللغة العربية مثل أرثالوس والصحيح أرشالوس».